روسيا البوتينية : لاعب دولي خطير أم مجرد بلطجي ؟

لم يعد خافياً على أحد أن الحاكم الفعلي للعالم لم يعد القوى الكبرى كأمريكا وأوروبا وروسيا وغيرها، ولا حتى القوة العسكرية التابعة لتلك البلدان العظمى، فحتى الجيوش في هذا العالم أصبحت أذرعاً للحيتان الاقتصادية والتجارية. ولطالما سمعنا وقرأنا أن الكثير من الحروب تقوم بدوافع اقتصادية. وقد اعتادت القوى الكبرى على تفجير الحروب هنا وهناك في بعض الأحيان لتحسين الأوضاع الاقتصادية فيها.

وهذا يؤكد أن حتى الجيوش والقوى العسكرية في الدول العظمى ليست صاحبة اليد العليا، بل قد تكون مجرد أداة في أيدي القوى الاقتصادية التي تتحكم بمفاصل السياسة وباقي القطاعات. فهي التي تختلق الحروب والصراعات، وهي التي تستخدم الجيوش من أجل مصالحها الاقتصادية. وعندما نعلم أيضاً أن المؤسسات الحزبية والسياسية كالبيت الأبيض والكونغرس ومجلس الشيوخ في بلد مثل أمريكا كلها تخضع لجماعات الضغط المالية والاقتصادية والشركات العظمى، فهذا يعني أن السلطة السياسية في تلك البلدان أيضاً مجرد عتلة في أيدي المتحكمين برؤوس الأموال ومفاصل الاقتصاد.

وكلنا يعلم أن عضو الكونغرس الأمريكي لا يستطيع الوصول إلى المجلس دون أن يكون وراءه دعم مالي بالملايين، وهذا لا يقدر على توفيره سوى الشركات وحيتان المال والأعمال. وعندما يكون مصير السياسيين والمؤسسات السياسية كلها في أيدي أصحاب النفوذ المالي والاقتصادي، فهذا بدوره يؤكد على أن من يحكم العالم ليست المؤسسات السياسية ولا العسكرية في الدول العظمى، بل المؤسسات المالية والاقتصادية. وهذه أصبحت بديهيات نعرفها منذ عشرات السنين.

ولو نظرنا إلى القوة الهائلة للأذرع المالية للغرب كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لوجدنا أن العالم أجمع باستثناء أمثلة قليلة جداً، يخضع خضوعاً تاماً لإملاءات البنك الدولي ووصفاته الاقتصادية التي يفرضها على الكثير من البلدان الصغيرة والكبيرة. وما لا تستطيع أمريكا تحقيقه بالقوة العسكرية صارت تحققه بالاقتصاد والضغوط الاقتصادية التي أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب العالم. وبما أن الشركات العابرة للقارات أصبحت تتحكم بأرزاق البشرية وأمورها قاطبة، فما هي القوة الاقتصادية التي تملكها روسيا كي تشارك في حكم العالم؟

فإذا كانت أمريكا والدول الأوروبية الغنية والقوية هي مجرد أدوات في أيدي الشركات الكبرى، فكيف يتحدث البعض عن أن روسيا تريد أن تصنع نظاماً دولياً جديداً، وتريد أن تشارك في التحكم بدفة الأمور في العالم؟ إن محل روسيا من الإعراب في عالم السيطرة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والصناعية والدوائية والغذائية في محل مجرور أو مفعول به أو حتى لا محل لها من الإعراب، فليست هناك شركة روسية واحدة غير شركة غاز بروم التي يمكن أن تضاهي أصغر وأتفه شركة غربية أو أمريكية. ما عدا ذلك، فإن روسيا لا تمتلك ذراعاً اقتصادياً ولا مالياً، وهي تكاد تكون مثل بقية الدول المنتجة للنفط التي ينهار اقتصادها بمجرد نزول سعر البرميل.

وحدث ولا حرج عن الناتج القومي الروسي الهزيل الذي يُعتبر مجرد فكة بلغة الأرقالم المالية والاقتصادية الغربية. فكيف إذاً تريدون منا أن نصدق أن روسيا تريد أن تشارك في قيادة العالم إذا كان الحاكم الحقيقي والفعلي للعالم هو الشركات العملاقة، التي لا تمتلك روسيا شركة واحدة منها، والتي تمسك بكل زمام الاقتصاد والنفط والغاز والطاقة والتكنولوجيا والغذاء والدواء والبنوك؟ قبل أن تناقشوا محل الدول من الإعراب على الساحة الدولية يجب أن تنطلقوا من بديهيات اقتصادية لا تخطئها عين، وكل من يحلل مكانة الدول ومدى قدرتها على التحكم بالعالم يجب أن ينظر قبل كل شيء إلى أذرعها المالية والاقتصادية، وتحديداً إلى قوة شركاتها العابرة للقارات.

ماذا تصدر روسيا للعالم بربكم كي تكون لها اليد الطولى في هذا العالم الرهيب المحكوم بقوة المال والأعمال؟ هل تصدر سوى السلاح لسوريا وكوريا الشمالية والهند أحياناً؟ هل تصدر روسيا أياً من التكنولوجيا التي تحرك العالم من أقصاه إلى أقصاه كأجهزة الاتصالات العملاقة؟ هل تصدر أياً من أدوات الرفاهية التي تجتاح العالم كالالكترونيات وغيرها؟ هل اشترى أحدكم يوماً موبايلاً روسياً أو حتى دراجة هوائية روسية؟ دلني على أي صناعة روسية تستطيع أن تنافس عالمياً. دلني على موبايل صناعة روسية. دلني على أي سلعة الكترونية كالتي تغزو كل البيوت في العالم من صناعة روسيا. دلني على أي ماركة روسية مشهورة. هل سمعتم يوماً بأي نوع من الألبسة صناعة روسية؟ هل هناك دار أزياء واحدة في موسكو؟ هل سمعتم يوماً بمصمم أزياء روسي واحد. دلني على شركة دواء روسية معروفة، وتستطيع المنافسة خارج حدود روسيا مع شركات الأدوية الأمريكية والغربية التي تغزو العالم وتتحكم حتى بكبريات الحكومات الغربية. دلوني على بنك روسي واحد معروف خارج روسيا.

قد تكون روسيا عملاقاً عسكرياً بفعل قدرتها العسكرية والنووية تحديداً. لكننا نعلم أن القوة العسكرية والنووية لم تحم الاتحاد السوفياتي نفسه من السقوط، فما بالك أن تحكم العالم الذي أصبح كله تحت هيمنة القوى الاقتصادية وليس العسكرية. باختصار، فإن القوى التي تتحكم باقتصاد العالم تستطيع أن تحتل العالم اقتصادياً، بينما لا تستطيع أي قوة عسكرية مهما بلغت من جبروت أن تحتل العالم. شاهدنا كيف هزمت افغانستان الفقيرة الاتحاد السوفياتي عسكرياً، وكيف هزم العراق أمريكا أيضاً. لاحظوا أن روسيا تمكنت من احتلال سوريا عسكرياً، بينما كانت أمريكا من قبلها احتلت سوريا اقتصادياً عبر ذراعها الرهيب البنك الدولي. مخطئ من يعتقد أنه يستطيع أن يُخضع العالم عسكرياً كما تحاول روسيا، لأن السيطرة الحقيقية ستظل في عصر التكنولوجيا والصناعات والاتصالات للقوى الاقتصادية وليس للعسكر. روسيا مارد عسكري، لكنه قزم اقتصادي، ولا يمكن للأقزام أن يشاركوا في صناعة نظام دولي يخضع كلياً لقوة المال والأعمال والتكنولوجيا والشركات العابرة للحدود. من حقك يا سيد بوتين أن تتنمر على العالم، وأن ترهبه بأذرعك العسكرية الجبارة، لكنك تبقى مجرد بلطجي مدجج بالسلاح يستطيع أن يرهب الجميع، لكنه لا يتقن سوى البلطجة.

فيصل القاسم – القدس العربي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫11 تعليقات

  1. سواءاً كانت روسيا لاعب دولي أو بلطجي .. مايهم الآن على أرض الواقع هو مشهد عناصر الشرطة العسكرية الروسية (بين 300 و400 جندي) يتجولون الآن في أحياء حلب .. نحن في الحقيقة أمام (جمهورية سوريا الروسية) .

  2. دكتور فيصل انت مختص بالادب الانجليزي يا ليتك التزمت باختصاصك وأرحتنا من حلبة الشتم والصراخ و تسفيه وتسويف الفكر والمفاهيم والقضايا والتي تسلقتها بمهارة عبر موهبة مدير قهوة او صاحب بقالة يجمع الرعاع امام دكانه !! والانكى تسربك العجيب الى الصحافة المطبوعة لتسترزق عبر الفذلكة في ما لا تفهمه وذلك لتسويق ما يريد ارباب نعمتك تسويقه!!! انت بالفعل مثل كثير غيرك انعكاس حقيقي وصادق لحالة الانحطاط التي تعيشه المنطقة.
    1-النخب الاقتصادية في الغرب التي ذكرتها وعبر التاريخ هي جزء من نادي تحدد معالمه الايديولوجيات لانه وببساطة لا ثروات طائلة بدون سيطرة ولا سيطرة بدون اتباع ولا اتباع بدون ايديولوجيا يخدمها هذا المال وتخدمه كاليمين المسيحي الامريكي الذي أفرز بوش و ترامب أو التحالف الكاثوليكي البروتستنتي الذي أفرز ميركل-هولاند والكثير غيرهم وهم وجوه تستبدل بحسب المرحلة والحاجة.
    2-روسيا ليست خاوية بل مليئة بدورها التاريخي كمركز وحامي الايمان المسيحي الشرقي وعاصمة للأرثوذكسية في العالم ونظرة سريعة على الاتفاقيات بينها وبين الدولة العثمانية أو مواقفها من اليونان وصربيا مثالا أو حتى من ارثوذكس العالم العربي وتوقها للاراضي المقدسة والبحر المتوسط و صراعها مع الكاثوليك والأتراك المسلمين تاريخيا يتيح لطالب الحقيقة ان يدرك مدى التزامها بهذه الهوية الجامعة التي تعرف ذاتها وتحدد اهدافها كما وتحقق مصالحها عبر التمدد بناء عليها.
    3- تكتيكات أرباب نعمتك في خلط المفاهيم و الحط من قدر الاخرين لم ولن يساعد في الرفع من ذاتك أو ستر عوراتك او في اعطائك القوة على مواجهة خصومك لانك مهما أثرت كراهية و عداء الأرانب على الثعالب فهي لن تجرؤ يوما على الوقوف في وجهها فالأجدى دائما هو صناعة انسان قوي ثابت الهوية صريح الانتماء والذي لا يساوم على حقوقه و كرامته و هويته وأرضه ولكن للأسف فانه لا يفوت العارف بأن هكذا توجه وهكذا انسان لا يتوافق ابدا مع توجهات ومصالح أرباب نعمتك لأن دورهم وحتى بقائهم عندها هو ما سيكون على المحك.

    1. خليك ب التوحد يا واحد القاسم يملك 40 مليون متابع و هد شئ كبير وانت شكلك تتابع ب الاشخاص الذين يعملون ب مهن ليست مهنهم مثال طبيب لا يعمل طبيبا و منظر اسلامي متطرف يعمل بوظيفة مهدي منتظر الى اخره

    2. سبحان الله الذي وفقنا بعينة من مريدي الدكتور وذلك مما أراه دعما لوجهة نظري حول التأثير السلبي لأمثاله على تفكير الناس .
      1- اذا كان المقياس هو عدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي فالدكتور القاسم قزم مقارنة بعارضة تعتاش من عرض مؤخرتها وهي كيم كاردشيان فهل هذا يجعل منها شيئا أكبر منه بحد وصفك !؟ أما ان كنت تقصد بعدد متابعيه على الشاشة فانا في غاية الفضول لمعرفة الجهة المستقلة المحايدة والمشهود لها بالكفاءة الاحصائية والتي استقيت منها هذا الرقم . كما انه من المعروف جيدا انك اذا قمت بعرض شخص ما أو حتى سلعة بطريقة محترفة على الشاشة بما يكفي فانك ستسوق للصورة والمحتوى في عقول الناس كما أن المليارات التي تنفق على هذه الصناعة لا ترمى هباء وغباء من أصحابها. ابطال مسابقات السوبر ستار و the voice اللذين يشعون عاليا جدا لمدة 5دقائق ثم يخمدون ايضا مثال جيد على ما أقصد.
      2- بالنسبة لشكلي أتابع من لا يعملون بمهنهم فانه ليس من شأنك ما اتابع او لا اتابع ما هو من شأنك ان تنتقد رأيي وفكرتي التي طرحتها في مجال عام طبيعته الصحيحة والصحية هي النقاش والنقد الموجه للطرح أما البهلوانيات الفارغة أما خليك بالتوحد وهذا الاسفاف والفراغ فهو نتيجة حتمية للتعرض المفرط الذي تعانيه شريحة واسعة من البشر لهكذا اعلام وهكذا أشخاص.
      شكرا لدعمك وجهة نظري .

    3. احسنت بفضح صورة هذا الانتهازي القميء والذي تجاوز كل الخطوط الانسانيه والاخلاقيه في بذر قذاراته وفتنه واجرامه طالما ان هذا يخدم ارباب نعمته

    4. ولك يا ابو علي بعدين بيتعقد الزلمة فوق ما هو معقد من قرعة راسو وزرع الشعر تبعو ، والله العظيم دائماً بقول الله يعين مرتو علي هيك عقليات

    5. لا أعتقد أن روسيا هي حامية الإيمان المسيحي !! فلو كان كلامك هذا صحيحاً فهذا يعني أن جميع ماعلمه آل الأسد في طلائع البعث والشبيبة والفتوة والتدريب الجامعي من مبادىء لينين والمبادىء الإلحادية كان خطأ .. الإتحاد السوفييتي (سابقاّ) وروسيا اليوم ، كلهم ملحدون لا يؤمنون بوجود الله .. فأي مسيحية يحميها ملحدون ؟

    6. أنا لم أقصد أبدا أن روسيا هي صاحبة حق في حماية الايمان المسيحي الشرقي لكن بحكم أنها أكبر وأقوى دولة أرثوذوكسية في العالم فانها ستمارس هذا الدور وتنتفع منه و بغض النظر عن مشيئة أرثوذكس العالم كما ان فترة الاتحاد السوفييتي ومنذ الثورة البلشفية حتى سقوطه فاني أراها كاستثناء وذلك لانها ثورة على القيصر المنهك الضعيف ونبلاءه و الذين كانت تغطيهم وتشرعتهم وتنتفع منهم الكنيسة والتي كانت لا تعير الشعب والذي بغالبه من أقيان الأرض أي اهتمام فهي ردة فعل بلا قواعد في الهوية والتاريخ تحمل بذور دمارها و لم تدم أكثر من 74 عاما لتعود الصلبان لترتفع من جديد في أنحاء روسيا كما كانت لمئات ومئات من السنين.
      أما اذا كانت القيادة الروسية ملحدة أو لا فما في القلوب خفي حتى يمتحن أما الاكيد فان القيادة الروسية اليوم تقدم وتسوق نفسها للشعب الروسي كقيادة مسيحية مؤمنة متوافقة مع الهوية التاريخية لروسيا كما أن تسويق وتبرير التدخل في سورية داخليا يتم أيضا على نفس الاساس أي المسيحي الطيب يحارب ليخلص البشرية من المسلم الارهابي الشرير وهذه المعادلة البسيطة أو قصة الأطفال مصممة ليبتلعها المواطن الروسي وينام مطمئنا مرتاح الضمير .

  3. بوتين مجرد عميل يهودي و الدور اللذي يؤديه يؤكد ذلك، عملية النفخ اللذي يقوم بها الاعلام الغربي ممنهجة بالظبط مثلما ما فعلوا مع صدام حسين! للعلم في حرب روسيا مع دولة صغيرة مثل فنلند خسر الروس ٩٠٠٠٠ عسكري و مآت الطائرات و المزنجرات مقابل ١٧٠٠٠ فنلندي، و ذلك في عز الاتحاد السوفيتي في ال١٩٥٠ امريكا لوحدها تملك ١١ حاملة طائرة نووية حديثة مقابل واحدة تعمل على الديزل، أكد احد الجنرلات الروس ان امريكا تستطيع ان تنهي الوجود الروسي في المتوسط مع القواعد العسكرية في حميميم و طرطوس بساعات.

  4. يتبع- كل ما يراه السوريون ليس الا لعبة متفق عليها و الهدف ان يبقى مبارك و حفتر و السيسي و الكسيح المعتوه و بشار و الجرب الشيعي، امريكا لا تحسب حساب لأحد لانها اعتى قوة عسكرية عرفتها البشرية منذى نشأتها، الصين فقط من يخيف الأمريكان.