الكرد و الدولة الوطنية الملتبسة

في اللحظة التي راحت تذوي القومية العربية في سورية وتنهار لمصلحة اتجاهات طائفية وأخرى وطنية ناشئة وثالثة أسديّة بلا ملامح، اللهم ملامح الحكم السلطاني المحدّث، بتنا نشهد صعود القومية الكردية مقابل هذه الاتجاهات الثلاثة. لذا، قد يكون حظ الكرد عاثراً حين يتزامن صعودهم القومي مع غياب القومية العربية في شكلها الديموقراطي والمنفتح.

ذلك أن القوميات تصعد بموازاة بعضها بعضاً، وكذا تفعل الطوائف، لذا يبدو أن الصعود الكردي هذا وحيد ويتيم يحاور أطرافاً سوريّة تغنّي في وادٍ آخر.

لا يغري الخطاب الطائفي الكرد، لذا فهم يُجَابَهون أولاً من قبل المتحلِّقين حول الخطاب الطائفي والزاجين به في أتون الصراع السوري، وكذلك لا تغريهم فكرة الدولة الأسدية الدمويّة والثأرية التي قد تنقلب بغمضة عين على كل من لم يقدم قرابين لأجلها، ومَن غير الكرد جدير بالانتقام لاحقاً وبتصفية الحسابات وتسوية الملفّات الإقليمية على حسابهم؟ كذلك يبدو من الصعب أن يسلّم الكرد مصيرهم إلى وطنية ملتبسة لم تتشكل في سورية بمعناها المعاصر، بل تبدو منفِّرة لهم لأنها تستعير مفرداتها في الأعم من حانوت البعث والاتجاهات القومية العروبية، أو أنها تتحفظ عن الكثير من المطالب الكردية كحال رفض اللامركزية أو الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية.

لم تتشكل في سورية، منذ استقلالها، تجربة وطنية أصيلة تحاكي الشكل الأثير للدولة المعاصرة (الدولة – الأمة)، وقد يكون من الصحيح القول أن التباشير بدت في فترات قصيرة بعيد نيل سورية استقلالها وفي شكل متقطّع، لكنها لم تكن تجارب واعية وقابلة للحياة أو التأصيل. لذا، يبدو من الصعب الحديث عن شكل وطنيٍّ أسبق في الحكم للنموذج الوحدوي (الناصري)، وما تخلله من حكم الانفصال، فالبعث، يمكننا الركون إليه دليلاً وخريطة طريق تقنع الكرد بجدوى الدولة الوطنية، لتبقى الوطنية المطروحة وفكرة دولة المواطنة، وفق الفهم الكردي لها، أقرب إلى نموذجٍ تذويبيّ للهويات الفرعية باسم الهوية الأم والأكثرية العرقية والطائفية مما إلى نموذجٍ واقعي يرفع الظلم والغبن عنهم ويؤصّل حقوقهم ويستجيب لمطالبهم.

صحيحٌ أنّ المطالب الكردية ملتبسة وهي ذات عناوين فضفاضة، لكن الواضح منها هو ذلك الشق الذي يشدّد على الحكم اللامركزي بما يتيح للكرد حكم مناطقهم بعيداً من المركز وما يحمله من مخاوف متصلة بعودة سطوة دمشق وتجبّرها عليهم بما هم كرد. إلى ذلك، يبدي الكرد الكثير من التعنّت إزاء مطالبهم في الفيديرالية والاعتراف الدستوري إلى درجة عدم قبولهم أدنى درجات النقد، وإن بدرت من «أصدقائهم»، وربما يعزى الأمر إلى تمكنهم من امتلاك شيء من حقوقهم في اللامركزية الموقتة، معطوفاً على حملات الإعلام المضادة للطموح الكردي، والتي غالباً ما تصوّر الكردي في شكل سلبيّ، وتثير حوله إشارات استفهام لا تنتهي!
لكن، في المقابل ليست الدولة الوطنية المتخيّلة بأقل التباساً، فهي ووفق مروّجيها دولة الأكثرية (العرقية)، دولة المساواة بين جميع المواطنين لكن من دون اعتراف بالوجود الكردي وحقوقه بنصوص دستورية ومبادئ فوق دستورية، وهي جمهوريّة «عربيّة» سوريّة وجزء من «الوطن العربي» وفق ما تقول أدبيات المعارضة، وبالتالي فإن مثل هذه الأطروحات حول الوطنية المستقبليّة تجعل الكردي أكثر إصراراً على فكرة اللامركزية، وفكرة الاعتراف الدستوري والبحث عن ضمانات فعلية.

قصارى القول، لن يتحوّل الكرد السوريّون إلى جزء من الصراع الطائفي، هذا أمرٌ ثابت يمكننا الاستدلال عليه بسهولة، كذلك لن يخضعوا لحكم الأسد مجدداً كما كان الحال قبل آذار (مارس) 2011، وهذا ثابتٌ آخر. لكن مسألة الدولة الوطنية، فإنها تبقى مرجحة بوصفها ثابتاً كردياً حال قيامها على أسس من الاعتراف بالحقوق الكردية وحال تخفيفها المخاوف الكردية المتعاظمة.

شورش درويش – الحياة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. القومية وتطرف القومي لا تسقي الماي ولاتطعمي الخبز وليست لصالح الشعوب ، القومية يتشبث بها رؤساء الدول والانظمة الشمولية لبناء دولة هشه لقمع شعوبها انما الديمقراطية والتعددية هي نواة لبناء الدولة القوية تسودها الاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية لذلك يجب علينا ان نكافح هذه الآفة لبناء حياة افضل لاطفالنا

    1. هذا كلام مواطن يحب وطنه ارضا وشعبا وهذا هو المنطق الوحيد الذي يمكن ان يعيد لسوريا امنها واستقرارها ويعيش فيها كل مواطن بكرامته وحريته ولا تفريق بسبب دين او عرق او مذهب او لون
      وهذا غير ممكن ابدا في ظل النظام الحالي او النظام الذي تسعى ما يسمى وحدات حماية الشعب الكردي اقامته

    2. إلى كردي! الرفاهية و الحياة الكريمة لا علاقة لها إن كانت الدولة قومية أو غير قومية! فرنسا دولة قومية للفرنسيين و لكنها دولة عدالة! هذه الأسطوانة التي تغنيها و ترددها بعد سماع ترهات الأمة الديمقراطية الأوجلانية لا علاقة لها يواقع الشعب الكردي المحتل من أعداء حقيرين و عنصريين حتى النخاع من أتراك و إيرانيين و سوريين و عراقيين! لما لا تكون دولة كردية و دولة عدالة و ديمقراطية!

  2. لم يكن النظام والكرد متفقان يوما وكان التناقض بينهما لا تخطئه عين وكم زج النظام بكثير منهم في السجون وسقط منهم الشهداء وكان اول صدام معه بعد احداث اوائل الثمانينات هم الكرد في العام ٢٠٠٤ وسقط منهم عشرات الشهداء ومنهم تلك المرأة الشجاعة في الاشرفية في حلب التي حملت الكلاشنكوف وقاومت زعران الامن وقتها واستشهدت على ايديهم وزج النظام الالاف منهم في السجون
    وعندما قامت الثورة كنا نعتقد ان الكرد سيكونون في مقدمة الثوار وكان منهم عدد لا يستهان به مع الثورة فعلا فتمت تصفيتهم على يد ما سمي بوحدات الحماية الكردية والتي هي امتداد لحزب العمال الذي غدر به النظام وطرده من سوريا وكان سببا في اعتقال الاتراك له
    وتحولت هذه القوات الى حليفة ورديفة للنظام المجرم بل اصبحت شريكة له في المذبحة السورية وقد تبنت الخطاب الشوفيني للبعث وللتضليل وسمت نفسها سوريا الديمقراطية وهي ابعد ما يكون عن الديمقراطية فهي تقتل وتسجن وتهجر الناس من بيوتهم وتسرقها تماما كما هو حال الشبيحة الاسدية
    اذا كان للاكراد مستقبل في هذه المنطقة فلن يكون وجها آخر للبعث بل سيكون مرفوضا وملفوظا وسيقاومه كل من كفر بالنظام المجرم ولن يقبل احد استبدال طائفة مذهبية بطائفة عرقية

  3. الى السيد كردي كل دول العالم مبني على اساس قومي فقط في الحالة الكردية تنفون القومية لكن في الغرب هناك ديمقراطية حقيقية فمشكلة الشعوب و الاقليات محلولة اما في الشرق فينكرون كل الحقوق باسم حقوق المواطنة والاسلاميين ينكرون باسم الاخوة والمساوات وكلها كذب الحل الوحيد للكرد بان يقرروا هم بانفسهم تقرير مصيرهم و ليس السوريين والا سيبقون عبيدا