روسيا تنسحب من سوريا فماذا عن إيران ؟

لم يكن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب الجزء الاكبر من قواته من سوريا مفاجئا بالمقدار الذي كانت عليه هذه المفاجأة حين أعلن أمرا مماثلا في آذار 2016، باعتبار أن ما اعلنه بوتين سبق له اعلانه قبل عام تقريبا في كانون الاول 2016.

المفاجئ كان زيارته لقاعدة حميميم التي تقيم فيها القوات الروسية والتي أعلن بوتين أنها ستبقى الى جانب القاعدة في طرطوس وانه سيسحب الجزء الاكبر من القوات، بما يعني ان روسيا لا تنسحب فعليا من سوريا كما قال بوتين ان بلاده على استعداد “اذا رفع الارهابيون رؤوسهم في سوريا فستلاحقهم روسيا بضربات قوية”، وهذ يفيد ان روسيا لا تنسحب كليا في شكل عملي بل تبقي ملائكتها حاضرة من اجل التدخل حين ترى ذلك مناسبا. والانسحاب الذي اعلن عنه بوتين تم التمهيد له قبل اسبوعين تقريبا حين قرر مجلس الامن القومي الروسي ان روسيا بدأت التحضير لخفض عديد قواتها في سوريا الى حد كبير قبل نهاية السنة الجارية. الزيارة المفاجئة شكلت مناسبة ليعلن بوتين الاسبوع الماضي ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2018 ويزور مصر وتركيا في جولته بعد “الانتصار” على تنظيم الدولة الاسلامية، والقائه ظلالا كبيرة على دور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في هذا الاطار، وتاليا التمهيد لقطف ثمار هذا الانتصار في روسيا وفي وجه الولايات المتحدة.

وثمة من يقول في وجه ايران ايضا التي كانت اول من سارعت الى محاولة قطف السيطرة على مناطق “داعش”. والاعلان في ذاته هو ترجمة لما قاله بوتين سابقا عن مساعدته الدولة السورية على السيطرة على غالبية الاراضي بعد الانتصار على “داعش” والتمهيد للعملية السياسية التي لا تزال تتعثر على خلفية ضبابية الوضع الميداني، فضلا عن أن أهداف الحملة الروسية قد تحققت، اي تثبيت بشار الاسد في موقعه، مما ينهي عمليا مهمة قواته، ولو ان اسلوب استقبال الرئيس السوري من روسيا، اكان في سوتشي اخيرا ام في قاعدة حميميم، لافت من حيث بروزه وحيدا في المشهد مع الرئيس السوري واعوانه من القادة العسكريين، وكأنه في حضرة القوة المسيطرة والمسؤولة عن بقائه على نحو واضح. وحين اعلن الرئيس الروسي العزم على سحب قواته من سوريا قبل سنة، فقد اعتبر أن المهمة انتهت الى حد كبير، في حين يصح هذا الاحتمال اكثر اليوم، علما ان مراقبين ديبلوماسيين لا يعتقدون بناء على ما اعلنه الرئيس الروسي ان انسحابا كليا للقوات الروسية سيحصل، فضلا عن ان التدخل محتمل كما قال. وتاليا، فان هذا القرار هو استثمار ايجابي روسي لمصلحة الرئيس بوتين انطلاقا من السعي الى توظيف الحاجة الاميركية والعربية الى روسيا وتأثيرها في سوريا وعدم ترك الاخيرة لايران على نحو كلي.

وهذه النقطة الاخيرة ليست محتملة في رأي مراقبين ديبلوماسيين، انطلاقا من الاعتقاد أن روسيا سعت الى تجنب كل الاخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة عبر تدخلها في المنطقة وليس من المحتمل ان تستثمر روسيا في سوريا الى هذا الحد من اجل ان تترك فراغا تملأه ايران كما حصل في العراق مع الولايات المتحدة. لكن ثمة من سيستفيد من الموقف الروسي ليتوجه بالاسئلة المناسبة لايران وكل الميليشيات التي تدور في فلكها عن اسباب بقائهم في سوريا ما دام “داعش” انتهى وثبت الاسد في موقعه حتى اشعار آخر، تماما كما بدأت الاصوات ترتفع مع انتهاء “داعش” في العراق والمطالبة بتسليم الميليشيات اسلحتها وحل “الحشد الشعبي”.

روزانا بو منصف – النهار اللبنانية

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد