شرق أوسط جديد بنكهة إيرانية

من قضى على ثورة محمد مصدق في إيران في خمسينات القرن الماضي عندما حاول تأميم النفط ووضع ثروات إيران تحت سيطرة الإيرانيين، هو نفسه من قضى بعده على الشاه محمد رضا بهلوي بعد أن استنفد وظيفته الأمريكية، وهو نفسه من أتى بالخميني حاكماً لإيران لتنفيذ مشروع أمريكي جديد تظهر معالمه بوضوح صارخ في الدور الذي تقوم به إيران في العالم العربي.

لا ننسى أن الشرق الأوسط نفسه صناعة بريطانية، وحتى التسمية ذاتها هي من اختراع القائد البريطاني التاريخي ونستون تشرتشل. حتى هذه اللحظة مازال هذا الشرق الأوسط على حاله كما رسمه المستعمر الغربي. وكل ما يجري فيه مجرد تحسينات أو تعديلات أمريكية تناسب المستعمر الجديد بلاعبين جدد على رأسهم إيران. ولا ننسى أنه كما كان لبريطانيا وفرنسا سايكس وبيكو، فإن لأمريكا رالف بيترز الذي وضع أسس الشرق الأوسط الجديد على الطريقة الأمريكية في كتابه الشهير «حدود الدم». والبعض يرى أن مشروع بيترز سيرى النور تدريجياً بعد أن تكون اتفاقية سايكس -بيكو البريطانية الفرنسية الروسية قد أنهت قرنها الأول.

ولعل أبرز مظاهر الشرق الأوسط الأمريكي الجديد أن لإيران فيه دوراً بارزاً يتجلى في هيمنتها على أربع عواصم عربية حتى الآن بشهادة كبار ساستها. لا تستهينوا بدور إيران في الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية الجديدة في الشرق الأوسط الجديد. ولا تنخدعوا بالحروب الإعلامية الكاذبة بين الغرب وإيران، فليس المهم ما نسمعه وما نقرأه، بل المهم ما نراه على الأرض، فمن يخشى من إيران وتمددها وتغلغلها الرهيب في المنطقة لا يمكن أن يسمح لها بابتلاع العراق واليمن ولبنان، ويسمح لها بإرسال مئات الألوف من المقاتلين الشيعة إلى سوريا ليصلوا إلى حدود إسرائيل في الجولان السوري المحتل. كلنا يعلم أن إسرائيل تخشى من النسيم العليل على أمنها، وهي عادة تقوم بضربات استباقية قبل عشرات السنين لأي خطر يمكن أن يواجهها في المستقبل كما فعلت عندما دمرت مفاعل تموز العراقي وهو قيد البناء، بينما تركت إسرائيل والغرب إيران تطور قوتها النووية على مدى عقود دون أن تتعرض المواقع الإيرانية النووية لأي هجوم إسرائيلي يذكر.

كما أن إسرائيل ضرورة استراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط، فإن إيران أيضاً باتت ضرورة كبرى في اللعبة الغربية في المنطقة، وما الأدوار الكبيرة التي تقوم بها إيران في أكثر من بلد عربي إلا دليل صارخ على ذلك. دعكم من مسرحيات استبدال السفارة الإسرائيلية بسفارة فلسطينية في طهران بعد رحيل الشاه وتسلم الخميني الحكم في إيران. دعكم من شعارات الشيطان الأكبر والتصدي الأجوف للإمبريالية والصهيونية، فقد كشفت الأيام أن الذين كانوا يرفعون أصواتهم عالياً ضد الإمبريالية والصهيونية تبين أنهم أكبر خدمها وعملائها. ولم يكن النظام السوري (الممانع) بين قوسين طبعاً أداة إسرائيلية لما بقي حتى الآن، وكلما دمر وقتل أكثر زادت فرص بقائه.

بدل أن تضيعوا في متاهات الشعارات الإيرانية الجوفاء، انظروا ماذا حققت إيران الخمينية للغرب منذ عام 1979. دخلت في حرب ساحقة ماحقة مع العراق لثماني سنوات، وعندما فشلت في احتلال العراق في المرة الأولى، عادت وتحالفت مع أمريكا في غزو العراق في المرة الثانية ونجحت بعد ذلك في السيطرة على العراق بمساعدة ومباركة أمريكية لا تخطئها عين.
كيف يمكن أن نصدق أن الخميني جاء لمحاربة الغرب إذا كان يسجل كل أشرطته التي كان يحرك بها الشعب الإيراني في الداخل من شقته في باريس بفرنسا تحت نظر وسمع المخابرات الأمريكية والغربية كلها؟ لو كان الخ

ميني يشكل خطراً واحداً في المئة على المشاريع الغربية لما ترددوا في قتله في باريس خلال لحظات، لكنهم كانوا يحمونه ويدعمونه ويرسلون منشوراته إلى داخل إيران كي يحرض الشعب وكي يعود حاكماً بدل الشاه في يوم من الأيام. لم تكن الثورة الإيرانية أبداً ثورة شعبية، بل كانت كغيرها من الثورات الحديثة ثورة مخابراتية من تأليف وإخراج الاستخبارات الغربية.

هل يمكن تصنيع الشرق الأوسط الجديد الذي وعدت به كوندوليزا رايس من خلال مشروع الفوضى الخلاقة من دون الدور الإيراني النشط؟ هل يمكن إعادة رسم خرائط العراق واليمن وسوريا ولبنان وغيره من دون التدخل الإيراني؟ بالطبع لا. هل يمكن ضرب دول المنطقة ببعضها البعض وتشكيل أحلاف وخرائط جديدة من دون إيران؟ هل يمكن إشعال الصراع الشيعي السني بدون تغلغل إيران في المنطقة؟ ألا ترون العداء الإيراني الخليجي المتصاعد الذي تديره أمريكا من خلال مشروعها الشرق أوسطي الجديد؟ هل يمكن للغرب أن يبيع أسلحته سنوياً بمليارات الدولارات للعرب مند دون وجود الخطر الإيراني المرسوم أمريكياً؟

لا تصدقوا أن أمريكا يمكن أن تعمل على إضعاف إيران، لأن إيران هي الأوزة التي تبيض ذهباً لمصانع الأسلحة الأمريكية. ولولاها ولولا مشاريعها التوسعية المدعومة أمريكياً لما كان هناك شرق أوسط أمريكي جديد، ولما كانت المنطقة دائماً على كف عفريت تنفق ميزانياتها على السلاح بدل التنمية والنهوض ببلدانها وشعوبها.

لو كانت أمريكا وإسرائيل تخشيان من إيران لما غضتا الطرف عن ابتلاعها العراق وسوريا ولبنان واليمن، والحبل على الجرار.

فيصل القاسم – القدس العربي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫10 تعليقات

  1. احيك استاذ فصيل تحليل دقيق ومنطقي جدا جدا لكن لاننسى قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لا فارس بعد كسرى ستنهار ايران قريبا لقد تمددت بشكل عشوائي ومدمر في المنطقه بضوء اخضر غربي لكن نهاية الحلم الفارسي لاحت في الافق بعد خروج رايات الاسلام في الشام واصدامها بجنود هم خيار اجناد الارض

  2. نص الغوطه راحت
    والشهداء يزدادو
    أين المسلمين يا مسلمين
    لنا السماء
    وانتوا اتفبركوا مواضيع
    اصحوا من نومكم

  3. کلام انشائي لا جدید فیه.الخلیج صرف اموال حائلة في الحروب بالیمن و سوریا… بدون ای نتیجة… و الان الاعلامیین الحمیر یحاولون اخفاء هزیمة رؤساءهم بالقول ان ” کل شي بید امریکا… و ما النصر الا بید امریکا… تعز من تشاء و تذل من تشاء… بیده السلاح…و هو علی الحرب قدیر!!! “. مع الاسف امریکا لم یتمکن من احتلال اراضینا الا و بعد احتلال عقول المثقفین العرب الحمیر…
    المستقبل لمن لایرکع للامبریالیة و الصهیونیة…

    1. كم حرب دخل الكلب الخميني مع الإمبريالية و الصهيونية ؟
      ياسر عرفات الذي خونه الكلب نصر اللات قاتلهم من لما كان نصر اللات بالحفاض
      السادات الخاين بنظر إيران أسقطت في زمانه وحده حوالي 194 طائرة إسرائيلية..
      أرونا ماذا فعل هذا المقمل من 1979 حتى اليوم سوى ضرب المدن العربية و تهجير سكانها.
      قال إمبريالية .. أنتم ألعن من ألف إمبرالية

  4. ضابط سابق في المخابرات المركزية الأمريكية ال سي أي أي يكشف عن الدولة العميقة التي تقودها تلك المنظمة بالتعاون مع خمس منظمات أمريكية أخرى و ترتكب جرائم كبيرة بحق الشعب الأمريكي و الدستور من بينها دعم تجارة المخدرات و القيام بعمليات قتل لأفراد مناوئين لها و تطال القائمة الكثير من الأعمال من ضمنها تمويل المخابرات السورية.
    الضابط لا يهمه لا العرب و لا الشرق الأوسط و لا المسلمين و لكت يهمه أمريكا و أين تذهب نقود الشعب الأمريكي.

  5. المخابرات الأمريكية أعطت النظام الضوء الأخضر لإبادة سكان الغوطة لأن قتل 400 ألف سوري بالغوطة كاف للتعطية على قتل 50 ألف في الرقة و 120 ألف في حلب.

  6. نقول ونرد من النبوءة المحمدية للمختار المصطفى والاحاديث كثيرة الشام ارض الملحمة وارض الفسطاط ولاتقوم الساعة حتى تقاتلون اليهود ونزول الروم في دابق والضغط يولد الانفجار فكيف تقوم هذه الامة من سباتها الا بهذا القتل الفظيع لنشر العدل بعد ان ملئت الارض جورا وظلما والا ماجعل الله هذه الامة خير امة اخرجت للناس بامرها بالمعروف ونهيها عن المنكر ولامانع هنا من الوقفة مع بعض كلمات لاحد فلاسفة الحق والدين الشاعر محمد اقبال اذ يقول :
    من ذا اللذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالافي الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
    بمعابد الافرنج كا ن اذاننا الله اكبر قبل الكتائب يفتح الامصار لن تنسى ايران المجوس ونجس الروس سجداتنا وغوطة الشام تقذف نارا وكان ظل السيف في غوطتنا الخضراء ينبت حوله الازهار لن نخشى طاغوتا نصيريا يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا اسوارا ندعو جهارا لااله سوى اللذي صنع الوجود وقدر الاقدارا ورؤوسنا يارب فوق اكفنا نرجو ثوابك مغنما وجوارا ومن الالى حملوا بعزم اكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا ام من رمى نار المجوس فاطفئت وابان وجه الحق ابلج نيرا نحن اللذين اذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الارض جاما احمرا جعلوا الوجوه الى الحجاز وكبروا في مسمع الروح الامين مكبرا ومن ذا يبذل الحياة رخيصة وراى رضاك رغم ذلك واشترى

    1. لن نخشی طاغوتا نصیریا،لانو*** عندنا طاغوت متصهین کفاراااا
      دین الاله بعناه بفتوی الهوی***و الغالب هو الامام و ان یکون فجاراااا
      لایغلب المنافق علی المؤمن بالشام، هذا حدیث***الداعس مؤمن و المدعوس منافق عهاراااا
      ارید حریة ولکن عقیدتی***تسمی من یخرج علی الامیر اشراراااا
      یا رافضی اتعلم من عقیدتی ***التناقض ما هو، بل فسوق کباراااا

    2. روح اتعلم تكتب
      الذكاء عندكم وراثة و الدليل ابن معلم بمونديال البرازيل

  7. إنشاء بإنشاء .. مافي لا تحليل موضوعي ولا كلام علمي .. ومدري كيف عم يعطو ألقاب الدكتورا ..
    ما فيني شوف كلام فيصل القاسم إلا من زاوية أنو مأجور للخليج ..