لماذا كرر الثوار العرب الخطيئة الأفغانية ؟

بعد أيام على انطلاق الربيع العربي في عدد من الدول العربية قبل أكثر من سبع سنوات، كتبت مقالاً حذرت فيه من تكرار المثال الأفغاني والصومالي، ووضعت أمام المنتفضين الخطايا التي وقع فيها الأفغان والصوماليون في انتفاضاتهم على الطغاة. وسأعيد الآن نشر المقال حرفياً ليس لأنني توقعت النتيجة الحاصلة في الكثير من بلاد الثورات الآن، بل لنتساءل: لماذا لا يتعلم العرب من التاريخ؟ لماذا يكررون الأخطاء نفسها مع أنها مازالت حية في الذاكرة؟ إلى نص المقال:

«لا شك أن التخلص من الطواغيت العرب وأنظمتهم العفنة والحقيرة هدف عظيم للغاية. ولتعش الأيادي التي ساهمت وتساهم في دق المسمار الأخير في نعوشهم. لكن هناك هدفا آخر لا يقل أهمية وخطورة عن الهدف الأول، ألا وهو قيادة المرحلة التالية بعد سقوط الطغاة. فقد قدم لنا التاريخ أمثلة مرعبة يجب على الثوار العرب أجمعين التعلم منها وتجنبها وهم في بداية النتفاضاتهم بكل ما أوتوا من قوة وعقل كي لا يتحول الانتصار على الطغيان وبالاً على الشعوب.

لقد نجح المجاهدون الأفغان في يوم من الأيام في التخلص من نظام نجيب الله المرتزق الذي كان مجرد ألعوبة في أيدي السوفيات الأوغاد. لا بل تمكن المجاهدون أيضاً من كنس الاحتلال السوفياتي الغاشم نفسه إلى جهنم وبئس المصير. لكن الانتصار الأفغاني على السوفيات وأزلامهم لم يأت لأفغانستان بالمن والسلوى ولا بالتحرير الحقيقي. فما إن انتهى المجاهدون الأفغان من مهمة تنظيف البلاد من الاحتلال الداخلي والخارجي حتى راحوا يتقاتلون فيما بينهم على الغنائم.

لا شك أن الكثير منا يتذكر ما حل بأفغانستان بعد انتصار المجاهدين، فقد تحولت البلاد إلى ساحة حرب من أقصاها إلى أقصاها بين المجاهدين أنفسهم، مما أدى إلى الإمعان في تمزيق البلاد وزعزعة استقرارها وإفقارها وتحويل شعبها إلى لاجئين وجائعين.

فبدلاً من التكاتف للملمة جراح أفغانستان الغائرة وتوحيد الصفوف راح المجاهدون يذبحون بعضهم البعض من أجل الاستيلاء على السلطة، وكأنهم جاهدوا ليس لتحرير الوطن من ربقة المحتلين وأزلامهم، بل من أجل أن يحلوا محلهم في الجثم على صدور البلاد والعباد.
ومن كثرة ما عانى الأفغان من اقتتال المجاهدين فيما بينهم لم يكن لديهم أي مانع بعد طول عناء من القبول بديكتاتورية جديدة أشد وأنكى من ديكتاتورية الشيوعيين وأزلامهم، ألا وهي ديكتاتورية طالبان التي تمكنت من الانتصار على المجاهدين والفوز بحكم البلاد.

قد يجادل البعض بأن حركة طالبان كانت في وقتها أفضل حل لبلد أنهكته الحرب الأهلية. وربما يكونون على حق. لكن الشعب الأفغاني لم يقدم كل تلك التضحيات وقتها كي ينتقل من حضن الديكتاتورية الشيوعية إلى حضن ديكتاتورية دينية خانقة. ولو لم يتقاتل المجاهدون فيما بينهم لما أوصلوا السلطة إلى أيدي طالبان، ولما جعلوا أفغانستان مرتعاً للقاصي والداني كي يتدخل في شؤونها ويستغل معاناة أهلها. لا شك أننا نتذكر كيف أصبحت أفغانستان لاحقاً ساحة للاستخبارات الإقليمية والدولية والقوى المتصارعة على ذلك الجزء الحيوي جداً من العالم.

ولا ننسى الدرس الصومالي البشع، صحيح أن الشعب الصومالي استطاع التخلص من الطاغية سيئ الصيت محمد سياد بري، لكنه فشل بسبب احترابه الداخلي ونزاعه الدموي على السلطة فيما بعد في بناء صومال جديد أفضل من ذلك الذي كان يرزح تحت ربقة الطاغوت سياد بري.

ولو قارنا وضع الصومال في عهد الطاغية القديم بوضع البلاد بعده لرأينا حجم الدمار والانهيار اللذين حلا بالبلاد على مدى السنين الماضية. فقد أصبح الصومال مضرباً للأمثال في التشرذم والفشل والتفكك.

فبدل أن يبني الصوماليون دولة ديموقراطية حديثة بعد التخلص من بري أنتجوا دولة فاشلة بامتياز، لتصبح البلاد مرتعاً ليس فقط للعصابات المحلية المتقاتلة بل أيضاً للطامعين والعابثين بأمن واستقرار البلاد من خارج الحدود. ولا ننسى أن الفراغ السياسي يغري الخارج بالتدخل دائماً، لا سيما وأن الطبيعة نفسها لا تسمح بالفراغ.

ومما يجعل الكثير من بلادنا العربية الثائرة عرضة للأفغنة والصوملة أن حكامها «الأشاوس» لم يبنوا على مدى عقود دولاً حقيقية متماسكة، بل حولوها إلى مجرد تجمعات مفككة للملل والنحل والطوائف والأفخاذ والقبائل والعشائر التي لا تأمن جانب بعضها البعض. لقد حاول الطواغيت العرب ضرب مكونات البلاد ببعضها البعض على المبدأ الاستعماري الحقير: «فرّق تسد». فتلك هي الوسيلة الأفضل للطغاة العرب للسيطرة على الشعوب والتحكم برقابها.

بعبارة أخرى، ليس لدينا دول وطنية حقيقية في البلدان الثائرة بسبب غياب مبدأ المواطنة. وبالتالي، فإن بلداننا مرشحة للسقوط بسهولة في المستنقع الصومالي والأفغاني واليوغسلافي إذا ما سار الثوار العرب على النهج الأفغاني بعد سقوط الأنظمة الحالية.
وتلك ستكون أكبر هدية يقدمها الثوار للمستبدين الساقطين الذين سيكونون في غاية السعادة لتشرذم البلاد والعباد بعد سقوطهم. ولا ننسى أن الطواغيت العرب لا مانع لديهم أبداً، عندما يجدون أنفسهم محصورين في الزاوية، في تحويل بلدانهم إلى دويلات متناحرة، أو حتى الانفصال عن البلد الأم وتشكيل كيانات قبلية أو طائفية هزيلة.

لقد علمنا التاريخ أن الطغاة ربما يستطيعون بناء دول بالحديد والنار لفترة ما، كما فعل الرئيس اليوغسلافي السابق جوزيف بروس تيتو، لكن ما إن يرحل الديكتاتور أو يسقط حتى تعود البلاد إلى مكوناتها الأساسية.
وقد شاهدنا كيف تشرذم الاتحاد السوفياتي رغم قوته الجبارة، وكيف تفككت يوغسلافيا بعد تيتو إلى كيانات ودويلات متناحرة. ورأينا أيضاً كم كان سهلاً تفتيت العراق بعد رحيل الديكتاتورية. وما حل بالعراق وبيوغسلافيا ممكن أن يحل ببعض البلدان العربية ذات التنوع العرقي والطائفي والديني. لهذا على الثوار العرب أن يعملوا جاهدين على رص الصفوف بعد سقوط الطواغيت للحفاظ على النسيج الوطني وحماية الوحدات الوطنية المنهكة. بعبارة أخرى، عليهم أن يعوا الدرس الأفغاني واليوغسلافي والصومالي والسوفياتي والعراقي جيداً كي لا يقعوا في الحفرة نفسها.

ويجب على الثوار العرب أن لا ينسوا أيضاً أن هناك الكثير من القوى الإقليمية الطامعة بالمواقع الإستراتيجية للبلدان الثائرة، وهي مستعدة في أسرع وقت لمناصرة جماعة ضد أخرى لتتحول بلداننا إلى ساحات صراع كبرى تكون فيها الشعوب أكبر الخاسرين. فلا ننسى التنافس التركي والإيراني والإسرائيلي والأمريكي بطبيعة الحال على المنطقة.

وبالتالي، فإن منع التناحر بين الجماعات والمعارضات الثائرة والحيلولة دون الصراع على السلطة بعد نفوق الأنظمة الحالية أمر في غاية الأهمية كي لا نقول إننا استبدلنا قواداً بديُّوث».

فيصل القاسم – القدس العربي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫14 تعليقات

  1. بسبب الجحشنه المتأصله …بفكرو المتدينين ملائكه وليسو بشرا ممكن يرتشو او يكونو عصابات او ما بيبفهمو اصلا …
    كم شعره بالدقن شعبنا ببطل بشوف ادامو…والمعارض لا يسمى معارضا يا كافر يا بكون زنديق يحارب إعلاء كلمة الله…
    طبعا مخابرات النظام والمخابرات المعادية بسهوله تزرع كم واحد بلحية… ويا اسفاه على الدماء والتضحيات

  2. شغلة بعض المتثقفين العرب الفهمنة

    مثلا الثورة الفرنسية يلي صرعو الدنيا فيها، بعد ما اعدمو الملك بلش الثوار ضرب ببعضهون حتى انتصر واحد على الجميع و صار مستبد و الناس تترحم على ايام الملك. و بقيت هالحالة حتى اجي نابليون و كمان فرض نفسو بالقوة و عدل شوي الوضع. يعني ممكن نقول فرنسة الوضع السوري بدل الافغنة و الصوملة.

    في بلجيكا منذ حوالي 12 سنة و برغم النظام الديمقراطي و وضع البلاد الدستوري الممتاز و سيادة القانون يلي ما حدا بينكرها، وصلت الامور للمطالبة بالانفصال بين العرقيتين المؤلفتين لهالدولة (الفرنسيين و الهولنديين).

    يعني حب المال و الجاه و السلطة من اصل الانسان و الاقوى يسود. و لا ننسى التأثير خارجي يلي خرب الثورة بعد انتصارها بمصر و ليبيا.

    يعني الفهمنة الزايدة بلاها يا سيد فيصل قال خطيئة قال.
    يعني عم تقول الثوار صارو يتقاتلو، وقت واحد بيقبض من جهة صار بدو ينفذ، و يلي ما بيقبض شو بيعملهون مثلا.. بيتفرج عليهون.

    سبحان الله كل واحد جاي يعما حالو انو فلتة بالفهم و انو هو بس يلي عندو حلول مشاكل المنطقة. و يا بتسمعو كلامو يا اما انتو خالصين و عليكم السلام.

    ابو زيد الهلالي- طورا بورا تايمز

  3. و ذات الجواب أقدمه لك.
    مشكلة طالبان كانت أن العالم المجرم الذي أدار الصراع في أفغانستان بين الروس و الأمريكان لا يقبلون بحكم اسلامي و يريدون حكم كافر يوائمهم فقط, لذا حارب الجميع طالبان من أول يوم و لا تنسى أن افغانستان في حكم طالبان باتت بعد ثلاث سنوات من حكمهم خاليه تقريباً من المخدرات إلا أن تجار المخدرات الكبار في أمريكا الذين خسروا المليارات جندوا أكبر آله اعلامية و عسكرية لهم لتعود البلاد إلى حضنهم.

  4. الجميع يتفلسف عن الديكتاتورية أو الفاشية الدينية و لا بديل له سوى تقديم الفاشية الرأسمكالية الكاذبه التي تدعي كذباُ أنها علمانية ديمقراطية لنا بقالب جاهز.
    الاسلام منهج و حياه قبل أن يكون ديناً و أغلب سكان المشرق ينتمون للاسلام.
    العلمانية تعتبر نفسها دين القرن العشرين و الديمقراطية أبحثوا في ماضيها الوسخ لأنها هي التي جلبت الاستعمار أو الاستحمار إلى بلادنا عشرات المرات.
    لقد أثبتت الدول التي تدعي انها ديمقراطية كأسرائيل و أمريكا و فرنسا بأفعالها انها ليست أفضل من السوفيت و أثبت العلمانيوين المزعومين في دول كألمانيا و صربيا و بلغاريا أنهم أشد قسوه على المسلمين من دكتاتوريات الخليج القبلية العنصرية.
    المسأله هو أن الاعلام بات يبيع الغائط ملفوفاً بورق أصفر على أنه ذهب.

    1. ارجع للخيمة والجمل وريحنا من تخلفك. السعودية وايران قريبين منك, روح اتمتع بالدول الدينية المتطورة والمتقدمة,
      ريحة داعش والنصرة بعدها ما راحت

  5. كلام جميل و لكنه يدل أن ما يعرفه الكاتب عن الأزمة الأفغانية يشابه ما يعرفه رياض حجاب عن الأزمة السورية.
    فرياض حجاب في آخر مقابله له كمعارض على قناة الجزيره أثبت انه جحش معبى ببنطلون.

  6. ينسى القاسم أو يتناسى أن المشكلة ليست فقط في الشعوب ولكن في الاستعمار الصليبي الجاسم على الأمة الإسلامية ولايريد نهضتها بأي شكل فيدعم كل من يحاول محاربة الإسلام ويحارب كل من يدعم الإسلام حتى المعتدل منه عندما حاولت دول أوربة الشرقية التخلص من الشيوعية فما كان من الغرب إلا أن دعمها بالغالي والرخيص. أما عندما حاولت الدول الإسلامية التحرك ضد طواغيتها فما كان منهم إلا أن دعموا الطواغيت الجدد بالغالي والثمين.

  7. البقرة – الآية 120 وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

  8. التعلم هو مشكلة غثاء السيل الوحيدة!!! فهم لا يقرؤون ليتعلموا واذا قرؤا لا يفهمون واذا فهموا ( وهم النوادر ) فلا يستطيعون فعل شيء لأن الذي يسيطر هو “”” السفلة “”” الذين لا أصل لهم وما الشعارات الدينية الا غطاء صليبي للقضاء على الاسلام كما يتوقعون ولكن الاسلام باق وغثاء السيل يقتلون بعضهم البعض كما هو مقدر لهم بأمر الهي والآتي أعظم.