” الأسد باع الجولان “

“الأسد باع الجولان”! هذه العبارة العبقرية التي أطلقها ضيف أحد البرامج التلفزيونية الفنية في لبنان، تحولت محور نقاش عام عصف بمنصات الإعلام اللبنانية. والضيف هذا رد بها على المغني السوري الموالي للنظام علي الديك، الذي كان ضيف البرنامج أيضا. كان مشهد “السجال” ركيكا إلى حد يصعب تصديقه. صاحب العبارة انسحب بتهذيب مبالغ به من الحلقة إرضاء للضيف الكبير. وما أن انقضى المشهد حتى اشتغل الانقسام.

مرة أخرى يلوح الخواء في لبنان بصفته أحد ثوابت الجمهورية الثالثة. الخواء أقوى من كل شيء، ذاك أنه صورة عن عجز بلد عن أن يكون بلدا. بلد يمكن أن تملأ عبارة من نوع “الأسد باع الجولان” حياته العامة والخاصة. هو امتداد لطقس الزجل في لبنان منزوعا منه موهبة أصحابه على إطراب مستقبليه. “الأسد باع الجولان”، العبارة أطربت خصوم الأسد إلى حد التوحد مع صاحبها، واستفزت حلفاء الرئيس إلى حد فقدانهم توازنهم.

الخواء يدفعنا أحيانا إلى السعي إلى التآخي معه. وعلى من لا يحب الأسد، على ما هي حالي، أن يفكر بالعبارة، طالما أنها تصيب من لا يحب. كيف باع الأسد الجولان؟ ومن دفع ثمنها؟ يجب أن نؤسس للعبارة منطقها، بما أنها عصارة خطاب خصوم الديكتاتور. يجب أن لا تترك العبارة لوحدها، يجب أن نوثقها. عندما قال لينين “يا عمال العالم اتحدوا”، كان كتب مانيفستو للعبارة. المغني السوري الذي استفزته العبارة رد عليها بما يليق بها. لم يقبل أن يكون رئيسه قد باع الجولان. وشرح كيف أنه سيحررها. إذا علينا أن نقوم نحن بدورنا بعملنا، وأن نخدم عبارتنا بما يليق بها من أفكار وحقائق وسياقات. ولا يبدو أن ذلك يمكن له أن يستقيم من دون أن نؤسس لغة موازية ومشابهة للغة المغني، ذاك أن رجلنا، كاره الأسد مثلنا، قرر بمشاركته باسمنا في الحلقة أن خصمنا الثقافي والوطني هو علي الديك، وأن النقاش هو مع علي الديك.

وها هو صاحب العبارة يسعفنا بما لا يتسع له ذكاؤنا. فهو غرد على تويتر في اليوم الثاني أن دونالد ترامب كان سيهدى جنوب لبنان لبنيامين نتانياهو لولا وجود مقاومة في لبنان. علينا هنا نحن خصوم الأسد أن نلتقط العبارة وأن نحلق بها في خيالنا. المغني السوري لن يقوى على مواجهة هذه الفكرة. ما أجملنا نحن في لبنان، في نقاشنا وخلافنا قدر من الطرب. السياسة موسيقى أيضا في بلدنا، ومطربنا شكسبيري قبل أن يكون “أسدي”.

لكن بعد بحث وتقص دؤوبين توصلنا إلى أن الأسد لم يبع الجولان! الأسد خسر الجولان! هل ثمة فارق بين الافتراضين؟ أيهما مهين أكثر للرئيس الذي لا نحبه؟ ثم أننا في ذهابنا مع صاحب عبارتنا الأثيرة “الأسد باع الجولان”، إلى تغريدته عن تحرير الجنوب، سنعثر في الوثائق على ما يُضعفها، ذاك أن من حرر جنوب لبنان يقول إن الأسد ساعده في تلك المهمة! كيف نُصرِف الآن تغريدة صاحبنا؟ هل يمكن لنا أن لا نُحِب ديكتاتورا ساعد المقاومة على تحرير الجنوب؟

والحال أن عبارة “الأسد باع الجولان” هي امتداد ليس جديدا للغة أسسها خصوم ديكتاتور سوريا، ممن لا يثيرهم استبداده، تقوم على عدم إيمانهم بصلابته حيال إسرائيل. ثمة عبارة كتبها على جدار منزلنا في جنوب لبنان بعثيون منشقون عن البعث السوري في سبعينيات القرن الفائت، وبقيت العبارة سنوات طويلة على هذا الجدار، تقول: “الأسد أسدٌ في لبنان وأرنب في الجولان”. ذكرتني عبارة ضيف البرنامج الفني بتلك العبارة وأعادتني إلى ذلك الزمن، ذاك أنها لا تمت إلى خصومتي للأسد بأي صلة.

أيهما أشد فداحة بين ممارسات الديكتاتور، خسارته الجولان وعدم سعيه لاستعادتها، أم قتله نحو نصف مليون سوري وتدميره مدننا وتهجيره ملايين من أهلها؟ يبدو أننا نطرب لواقعة الجولان أكثر، إذ أنها تلتقي مع مزاج شعبوي له امتداد في ذاكرتنا. والأهم أن وقع “خسارة الجولان” أكبر من وقع ارتكابات النظام، في خطاب الإدانة.

لكن ذروة هذا المنطق تتمثل في أن ضيف البرنامج الفني، صاحب العبارة القنبلة، كان جزءا من ديكور مفتعل مهمته رفع نسبة المشاهدة، فكان أن اختار معد الحلقة مدخلا مفتعلا نجح من خلاله في رفع الاهتمام ببرنامجه، وفي مقابل ذلك كان من حسن حظ ضحايا النظام أنهم لم يُستعملوا في هذه المهمة اللبنانية.

حازم الأمين – الحرة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫11 تعليقات

  1. ماهذا الحقذ البشع
    احقر شعب عاشه العالم هم السوريين المعارضين
    الذين يقفون ضذ بلذهم وحكومتهم
    ابقوا بعيدا عن سورية فالارض للدي يحميها

    1. غلطان.. المعارضين مو ضد الحكومة.. بل ضد رب القرود ابن أنيسة..

    2. ايه بعيد لكن انت واسيادك عن الارض السورية الي قاعد ما تحكي عنها .. بعتوا الشرق للاكراد والشمال للاتراك والجنوب لاسرائيل وجاي تقلي الارض للذي يحميها .. حربوق من ضيعة ام الطنافس شو بيقربك ؟؟

  2. الأسد باع الجولان من زماااان
    من أيام المقبور الخائن حافظ الأسد
    باع الجولان لإسرائيل وباع القاعدة البحرية الروسية في طرطوس
    لذلك عائلة الأسد لاتزال بالسلطة إلى اليوم

  3. الزعتر ي في البرنامج ليس من حقه أن يتكلم عن سورية والجولان. وهو لبناني.
    يجب أن يطهر نفسه قبل أن يتكلم عن بلوعة في سوريا فهو أدنى من ذلك.
    نحنا السوريين همنا أكبر من كل الشعوب العالم. وقال هذا رأيه!!!

  4. خيو اذا باع الجولان تاعو جيبوا حرروا ورجعوا.
    غنوا ساعتا هو باع الجولان ونحنا رجعناها.
    سدقو بنبسط كتير
    مافي غير الشماته هاد يلي شاطرين فيه.

  5. الزعتر ي قال هذا رأيه. ولكن في هذا الموضوع مافي هذا رأيه.
    أين الثبوتيات يا زعتري؟؟؟؟!! والا فأنت تشمت والظاهر باعصينك السوريين. وسوريا هي وأهلها بيقرفوا.

  6. بعد التدخل الروسي مباشرة هل تذكرون كيف عقد نتن باهو اجتماعا وزاريا في الجولان وقال عندها الجولان أصبحت لنا؟. عندها كانت قد جرت الصفقة وهي: تدخل روسيا بلا اعتراض من أمريكا وروسيا لبقاء الأسد في السلطة. بالمقابل بلغ الأسد بأنه اذا بقي في الكرسي لن يطالب بالجولان. والآن ما حصل من توقيع يهدف لتنفيذ ذلك وعرضه للعلن. انظروا كيف أن حكام العرب لم يعترضوا. هذا عقد من ضمن صفقة القرن.
    إيران تضمن القضاء على السنة ومنع تحرك الشعب ضد النظام الهزيل ريثما تستقر أموره.