وكالة الأنباء الألمانية : بعد 75 عاماً على انتهاء الحرب .. ألمانيا مازالت تكافح تاريخها النازي

منذ 75 عاماً، تحطمت أحلام دولة الرايخ الثالث للزعيم النازي أودلف هتلر.

وفي يوم 30 نيسان عام 1945، انتحر الـ”فوهرر” داخل مخبأه في برلين بينما كانت القوات السوفيتية تزحف على العاصمة الألمانية، وهو ما مهد الطريق أمام استسلام النازيين بعد أسبوع واحد، وانتهاء معارك الحرب العالمية الثانية في أوروبا.

ولكن حتى يومنا هذا، مازالت ألمانيا تعمل على رسم ملامح دورها الجديد على المسرح العالمي، وإيجاد شكل من أشكال التصالح مع مشاعر الإذلال التي تعتمل داخلها جراء هزيمتها في الحرب المروعة التي أشعلها هتلر في أوروبا، وويلات تاريخها النازي.

ويقول أرند باوركامبر، أستاذ التاريخ بجامعة “فراي” في برلين إن النازية تلقي بـ”ظلال ممتدة” على ألمانيا، مضيفًا إن الماضي النازي “مازال حاضراً معنا حتى يومنا هذا في ألمانيا وأوروبا وباقي أنحاء العالم”.

ولا شك أنه بعد عقود من استسلام ألمانيا النازية دون شرط أو قيد لقوات الحلفاء يوم الثامن من أيار عام 1945، مازال النقاش الدائر بشأن معاداة السامية والعنصرية وصعود الشعبوية اليمينية يتأثر بفترة حكم هتلر التي استمرت 12 عاماً.

وينطبق الأمر ذاته على الهجرة والصراعات بين الدول الأوروبية والمخاطر التي تتهدد مفهوم العالم متعدد الأطراف في فترة ما بعد الحرب، ويعتبر هذا المفهوم من أحجار الزاوية للرؤية الألمانية العصرية للعالم، وتقوضه حالياً أجندات قومية مثل تلك التي يروج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وكتب الروائي الألماني هورست كروغر في روايته “البيت المكسور” عام 1966، يقول إن “هتلر هذا سوف يظل معنا حتى نهاية حياتنا”.

وحتى وقتنا هذا، فإن القيود التي فرضت على حياتنا اليومية والشعور العميق بعدم اليقين جراء جائحة فيروس كورونا المستجد، تبدو كما لو كانت تؤثر بصفة خاصة على الجيل الأكبر من الألمان.

ويرى باوركامبر أن “كثيراً من المسنين الألمان يتذكرون الماضي النازي بسبب أزمة الجائحة الحالية.. فالإغلاق والوباء يذكرهم بالحرب العالمية الثانية وخطر الموت”.

ولم يشعر الألمان بقدرتهم على الظهور أمام العالم بوجه جديد واثق إلا في عام 2005، عندما لوحوا بعلمهم أمام العالم للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها بلادهم.

وبعد ذلك بعشر سنوات، اتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرارها المثير للجدل للحيلولة دون وقوع كارثة انسانية في المجر، من خلال السماح بتدفق نحو مليون لاجئ إلى ألمانيا، وهي خطوة قامت بتبريرها من منطلق المسؤولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا.

ولكن ميركل اكتشفت لاحقاً خلال أزمة ديون منطقة اليورو في العقد الأخير أن تاريخ النازية يمكن بسهولة استدعائه كسلاح أمام زعماء المانيا الحاليين.

فجهود ميركل لفرض ضوابط مالية صارمة على اليونان للخروج من أزمة الديون قوبلت بلافتات في شوارع أثينا تحمل رسوماً كاريكاتورية تشبه المستشارة الألمانية بهتلر، كما أن بعض الزعماء السياسيين في اليونان تحركوا لإثارة قضية مطالبة برلين بتعويضات عن الأعمال الوحشية التي ارتكبتها ألمانيا النازية في اليونان وقت الحرب العالمية الثانية.

ومنذ وقت طويل، سعى المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول إلى تهدئة مخاوف الزعماء الأوروبيين من صعود دولة ألمانية أقوى، في أعقاب لحظة فاصلة من تاريخها، وهي لحظة سقوط جدار برلين عام 1989.

وأورد كول عبارة رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر في مذكراتها، عندما قالت: “لقد هزمنا الألمان مرتين، وها قد عادوا مرة أخرى”، وكان كول واحداً من بين ألمان كثيرين يشعرون بقلق عميق من الحرب والنزعات القومية.

ومن الأقوال الشهيرة للمستشار الألماني الراحل: “لقد عايشت النازية عندما كنت طفلاً، ومثل الكثيرين من أبناء جيلي، كانت تحركني الرغبة في منع نشوب حرب أخرى بأي ثمن”.

وكان كول، الذي تولى منصب المستشارية لأطول فترة مقارنة بنظرائه، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يبلغ من العمر 15 عاماً عندما وقع الجنرال ألفريد غودل الذي كان يمثل القيادة العليا الألمانية، على وثيقة استسلام القوات المسلحة الألمانية في مقر القيادة العليا لقوات الحلفاء في مدينة رايمز الفرنسية، وقد استسلمت اليابان حليفة ألمانيا في زمن الحرب بعد أربعة أشهر في أيلول 1945.

وقد ألغيت الفعاليات الرسمية التي كانت مقررة لإحياء ذكرى استسلام ألمانيا يوم 8 أيار بسبب جائحة كورونا، وتقرر بدلاً من ذلك تسليط الضوء على تلك الأحداث التاريخية من خلال عرض افتراضي يحمل اسم “إلى برلين وما بعدها”.

ورغم أن ألمانيا اعتادت احياء تاريخ الأحداث الوحشية للمحرقة النازية لتخليد ذكرى أكثر من ستة ملايين شخص، أغلبهم من اليهود الذي قتلهم النازيون، كثيراً ما تتعرض البلاد لأعمال إرهابية يرتكبها معادون للسامية أو يمينيون.

وكثيراً ما يستهدف مخربون النصب التذكارية الخاصة بزمن الحرب والمحارق النازية، ويقومون بتلويثها بشعارات نازية.

وفي تشرين الأول الماضي، في يوم عيد الغفران اليهودي، حاول مسلح اقتحام معبد يهودي في مدينة هاله بشرق ألمانيا، ووجهت إليه مؤخراً تهمة ارتكاب جريمة قتل مزدوجة والشروع في قتل 68 شخصاً، في عمل وصفه ممثلو الادعاء بأنه ناجم عن “معاداة السامية والعنصرية ورهاب الأجانب”.

وقبل عامين، وصف ألكسندر غاولاند، الزعيم البارز في حزب البديل من أجل ألمانيا (إيه.أف.دي) اليميني المتشدد، سنوات حكم النازية بأنها “شيء لا يذكر” في تاريخ ألمانيا، الذي يمتد على مدار ألف سنة.

وتوفي كول عام 2017 عن عمر يناهز 87 عاماً، كما أن الكثير من معاصريه يفارقون الحياة ببطء واحدا تلو الآخر.

وحذر باوركامبر، قائلاً: “إن عصر شهود العيان (على الحرب) أوشك على الانتهاء”. (DPA)

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد