” كل السنوات بكفة و هذه السنة بكفة أخرى ” .. تفاصيل عن الكارثة التي يعيشها الحلبيون و عن الطرق و المبالغ التي يدفعونها للخروج من الجحيم

ادخرت سيدة سورية المال القليل الذي تحصل عليه، لمدة 3 أسابيع، لتستطيع شراء تفاحة واحدة قامت في النهاية بتقسيمها لـ 5 قطع، ليتناول كل فرد من أفراد أسرتها قطعة واحدة فقط.

نقلت هذه القصة منظمة “أنقذوا الأطفال” في أحدث تقاريرها التي كشفت أن 700 ألف طفل إضافي في سوريا يواجهون الجوع في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.

لا تنطبق قصة السيدة والتفاحة على المناطق الريفية أو المنكوبة أو المخيمات فقط، بل أصبحت واقعاً ملموساً في المدن الكبرى، وعلى رأسها مدينة حلب، بحسب شهادات أدلى بها عدد من قاطنيها لعكس السير.

يقول أبو أحمد (اسم مستعار) وهو موزع مواد غذائية لم يغادر المدينة منذ اندلاع الثورة، ونجح بالتأقلم مع كافة الظروف العصيبة التي مرت بشطريها الشرقي والغربي: “كل السنوات الماضية بكل ما شهدت من ظروف عصيبة وأزمات وكوارث بكفة، وما شاهدته هذه السنة بكفة أخرى، لم يعد بالإمكان الصبر أو التأقلم، سابقاً كانت الناس تموت سريعاً، اليوم أصبح الموت بطيئاً ومؤلماً، الناس تموت جوعاً”.

في كل شارع من شوارع المدينة، تنتشر الطوابير “على مد عينك والنظر” على حد تعبير أبو أحمد الذي يحفظ الشوارع والمناطق عن ظهر قلب بحكم عمله، ويضيف: “الطوابير لا تعد ولا تحصى، للبنزين والغاز والخبز والمعونات والمواد الغذائية، وحليب الأطفال، بل إنني في إحدى المرات شاهدت طابوراً ينتظر فيه الناس دورهم للحصول على “حفاضات أطفال” كانت توزع مجاناً.

وأشار أبو أحمد إلى أن أزمة الخبز الأخيرة لم يتسبب بها فقدان القمح أو الطحين، بل إن الأمر ببساطة مرتبط بالطلب الزائد، حيث أنه المادة الأرخص ثمناً التي لم يعد أمام العائلات قدرة على شراء سواها، في ظل غلاء ثمن كافة المواد الغذائية الأساسية الأخرى.

لا عمل والجيش بالمرصاد

لم تستطع كل المهن التأقلم مع الأزمات التي شهدتها المدينة، وسوريا ككل، كما مهنة أبو أحمد، وفي ظل التدهور الاقتصادي وانهيار سعر صرف الليرة، وارتفاع ثمن المواد الأولية وندرتها، ارتفعت نسبة البطالة وجلس كثيرون من معيلي العائلات بلا عمل، وبعد صبر وتحمل استمر لسنوات، وصلوا اليوم لمرحلة ما عاد باستطاعتهم -بعد نفاد مدخراتهم- تأمين قوت أبنائهم اليومي.

وإلى جانب انعدام فرص العمل، تبرز مشكلة جيل من الأطفال، الذين تسبب تركهم للمدرسة مبكراً بهدف العمل والمساعدة في إعالة عائلاتهم، بعدم تمكنهم من استغلال فرصة الدراسة في الحصول على تأجيل للخدمة الإلزامية في الجيش النظامي، وهم الذين أصبحوا في عمر يجبرهم على ذلك.

وعن هذا الأمر يعلق أب لثلاثة شبان قائلاً: “لدينا عائلة كبيرة ومتطلبات كثيرة، وقد اضطر أبنائي لترك المدرسة للعمل، وبعد سنوات من العمل الشاق وتحمل الأزمات أصبحوا اليوم شباناً بعمر الخدمة الإلزامية، ولا شيء يحميهم من السوق إليها سوى السفر، وهو الأمر الذي ما عاد سهلاً، ويحتاج لكثير من الأموال”.

في العامين الماضيين، كان الانتساب إلى كتائب البعث أو غيرها من الميليشيات المحلية ينقذ الشبان من السوق إلى الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، إلا أن الأمر اختلف في الوقت الحالي، وما عاد انتساب الشبان لإحدى الميليشيات يحميهم، وقد يساق دون سابق إنذار، بحسب ما قال حلبيون تواصل معهم عكس السير، وأكدوا أن عدداً من معارفهم سيقوا للخدمة الإلزامية والاحتياطية رغم انتمائهم لكتائب البعث ولواء القدس.

الخلاص بالدولار

لم يعد الخروج من المدينة أمراً سهل المنال، وبات على الراغبين بذلك إما فراراً من الجوع وانعدام فرص العمل أو من الجيش، دفع مبالغ طائلة لضمان وصول أبنائهم إلى بر الأمان الذي يمنون النفس أن يحمل في جعبته أموالاً قادرة على سد رمقهم، إن فشلوا بالخروج هم أيضاً.

وأكدت مصادر عكس السير، أن خروج الشاب من حلب إلى نبل يكلف ما لا يقل عن 700 دولار، تدفع للمسؤولين عن الحواجز الأمنية ومن يتبع لهم من سماسرة، ومن نبل ينطلق الهارب إلى عفرين، ومنها إلى تركيا التي يكلف العبور المضمون إليها، دون التعرض لرصاص الجندرمة أو عصابات التشليح، بين 1000 إلى 1300 دولار.

وأشارت المصادر إلى أن تهريب العائلات أمر بالغ الصعوبة، وبالتالي فإن معظم المغادرين لجحيم الفقر والخوف هم من الشبان، ولفتت إلى أن ارتفاع تكاليف التهريب إلى الشمال السوري ومنه إلى تركيا، مرتبط بعدة أسباب أبرزها ازدياد صعوبة الوصول إلى لبنان، في ظل أزمة كورونا.

سوريون ولبنانيون وآخرون

وروى شاب سوري قادم من لبنان، لعكس السير، تفاصيل عن رحلة التهريب التي جمعته بعشرات من الشبان، وأكد أن كثيرين منهم لم يكونوا سوريين بل لبنانيين ومن جنسيات آسيوية أيضاً، كانوا يعملون في لبنان، ولم يجدوا مخرجاً منها، سواء للعودة إلى بلادهم أو البحث عن بلد آخر للعمل أو اللجوء إليه، سوى الدخول إلى سوريا والتوجه منها إلى تركيا، كما يعد المهربون.

ويؤكد ما ذهب إليه الشاب، ما كانت وسائل إعلام موالية قد نشرته مطلع الشهر الجاري، حول ضبط 16 آسيوياً دخلوا سوريا من لبنان، في منزل بمدينة حلب، وأضافت حينها أن “حاملي الجنسية البنغالية استقروا في حي الشعار، وكانوا يخططون للتوجه إلى تركيا”.

وأشارت إلى أن “المواطنين والمتابعين يتساءلون عن الطريقة التي تمكن فيها هؤلاء الأشخاص من عبور الحدود السورية رغم وجود الكثير من الحواجز التي تفتش السيارات و تفيش الأشخاص”.

لا قبرص بعد اليوم

وزاد من إقبال السوريين وغيرهم، على سلوك طريق عكسي، تعامل قبرص غير القانوني مع اللاجئين وإعادتهم من حيث أتوا، وقبول القائمين على الحواجز والسماسرة في سوريا بمبالغ أقل، في ظل حاجتهم الشديدة جراء الأزمة الاقتصادية.

والشهر الماضي، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش إعادة السلطات القبرصية طالبي لجوء وصلوا إليها من السواحل اللبنانية، وقالت إن خفر السواحل القبرصي أعاد أكثر من 200 لاجئ قادمين من لبنان، وطردتهم، في الأسبوع الأول من أيلول الحالي، دون السماح لهم بالتقدم بطلبات اللجوء.

وقال مدير حقوق اللاجئين في المنظمة، بيل فريليك، إن انضمام اللبنانيين إلى اللاجئين السوريين على قوارب للهجرة من لبنان، وطلب اللجوء في دولة من دول الاتحاد الأوروبي، هو دليل على سوء الوضع في لبنان.

وأضاف: “يجب على قبرص أن تنظر في مطالب اللاجئين بالحماية بشكل كامل وعادل، وأن تعاملهم بأمان وكرامة بدلًا من تجاهلهم، على قبرص عدم الانخراط في عمليات طرد جماعي”.

ونقلت المنظمة شهادات عن أشخاص قابلتهم أفادوا بتعرضهم للتهديد من خفر السواحل القبرصي، وذكروا أن قواربهم أُغرقت، وأكد بعضهم أنهم تعرضوا للضرب.

وطالبت المنظمة بضرورة فتح تحقيق دقيق وحيادي، للنظر في ما يحدث، وما قامت به قبرص تجاه اللاجئين.

النصرة بالانتظار

وما إن ينجح الهاربون من تخطي حواجز ميليشيات النظام، حتى يجدوا حواجز ومهربي وسماسرة جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) بانتظارهم، ليقوموا بسلبهم ما بقي لديهم من أموال، لقاء تهريبهم إلى تركيا.

وكشفت شبكة أريج للصحافة الاستقصائية، في تحقيق نشرته مؤخراً بعنوان “جدار موت بين إدلب وتركيا يمول هيئة تحرير الشام” عن واردات الهيئة المالية من عمليات التهريب من الشمال السوري إلى تركيا.

وبحسب التحقيق، فإن “هيئة تحرير الشام ” جنت مئات الآلاف من الدولارات عبر مكاتب أحدثتها لتنظيم عمليات التهريب من ثلاث نقاط حدودية تتحكم بها، وهي حارم والعلاني ودركوش.

وتبدأ رحلة التهريب عبر الحصول على إيصال بمبلغ 50 دولاراً يتقاسمها مكتب الهيئة ومندوب معتمد منها، وهو موظف تابع لها تقتصر مهمته على التنسيق بين المهربين.

ووثق التحقيق عمليات الدفع المبرمة مقابل إيصال العبور عبر كاميرا مخفية، لإثبات صحة الرسوم المفروضة ومعرفة طرق التهريب المعتمدة.

وأظهرت إحصائيات مصدرها “حكومة الإنقاذ” التابعة للنصرة، أن عدد الإيصالات الممنوحة للمواطنين وصل إلى 49032 إيصالاً بقيمة نحو مليون و225 ألف و800 دولار، أي ما يعادل قرابة 300 ألف دولار شهرياً، وهي حصيلة قيمة المرور فقط.

وأشار التحقيق بحسب شهادات المهربين، إلى أن الأرقام أكبر من البيانات المعلن عنها في إحصائيات “حكومة الإنقاذ”، كونها لا تشمل حالات من ألغيت وصولاتهم في كل مرة يتم فيها دخولهم للأراضي التركية ثم الإمساك بهم وإعادتهم، أو من تأخروا في الوصول إلى موعد تهريبهم المحدد.

في الكون الموازي

في الرابع عشر من الشهر الجاري، قالت وكالة أنباء النظام “سانا” إن رائحة الصابون في مدينة حلب القديمة “عادت لتعبق من جديد في خان الصابون الذي أعيد للحياة اليوم بعد ترميمه وإعادة تأهيله إثر الدمار والخراب الذي طال حجارته وأسقفه الخشبية وأبوابه ومكوناته التراثية القديمة جراء الإرهاب”.

وأضافت أن “خان الصابون يقدم ما أبدعه شيوخ الكار من صانعي الصابون والذي صبغ المدينة بغاره واشتهرت به حلب ليتميز اليوم بصناعة أكبر قطعة صابون في العالم يصل وزنها إلى 1520 كيلو غراماً”.

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. على الحلبيين مساعدة حلب . ليس بطريقة مادية . ولكن عن طريق الأفكار التنموية الناجحة

  2. يمكن صناعة شيئا جميلا لحلب .
    نقل كهرباء سد الفرات الى حلب . سيجعلها سعيدة .
    إصلاح محطة كهرباء حلب . بخبرات صينيين سينعش المدينة .
    جمع تبرعات . لباصات كهربائية لحلب يعطي المدينة نشاط ونجاحها.

  3. على شباب حلب نقل كهرباء سد الفرات الى حلب .
    هذا العمل سينعش المدينة بسرعة .
    مساعدة الحكومة اقتصاديا . لتوفير محولات كهرباء لكل المدينة بسرعة .
    عن طريق رجال اعمال الحلبيين في مصر .
    نقل السيارات الكهربائية المصرية الى حلب
    فكرو بايجابية تسعد حلب