هل وصلت رياح التطبيع مع الأسد إلى تركيا ؟

تتواتر أحاديث، في أيامنا هذه، عن ممكنات التطبيع بين القيادة التركية ونظام الأسد، في بعض وسائل الإعلام التركية وأوساط سياسية، على خلفية مستجدّات جيوسياسية على المستويين، الدولي والإقليمي، استدعت حدوث انعطافةٍ جديدةٍ في السياسة الخارجية التركية نحو تحسين العلاقات المتوترة وتطبيعها مع دول متعددة في المنطقة، مثل مصر والسعودية والإمارات، إلى جانب الدفع الروسي لأنقرة من أجل تليين موقفها من نظام الأسد، والجلوس معه على طاولة التفاوض، في إطار المحاولات الروسية الرامية إلى تلميع نظام الأسد وتأهيله إقليمياً ودولياً. إضافة إلى تجدّد دعوات بعض شخصيات المعارضة التركية وأحزابها المطالبة بتغيير الموقف التركي والتطبيع مع الأسد، بحجّة إنهاء مسألة وجود اللاجئين السوريين في تركيا، والتخلص من تبعاتها، عبر إعادتهم إلى سورية بالاتفاق مع نظام الأسد، وذلك بعد أن تمكّنت المعارضة التركية من توظيف مسألة اللاجئين سياسياً، وتحويلها إلى قضية وطنية لها مفاعيلها وارتداداتها السلبية في الأوساط الشعبية، وباتت تشكل عاملاً ضاغطاً متزايداً على حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، الذي بدأ يميل إلى تغيير مواقفه واتخاذ سياساتٍ متشدّدة حيال اللاجئين، في محاولةٍ لسحب ورقتهم من بساط التداول في بازارات أحزاب المعارضة.

ويبدو أن جملة من التطورات السياسية والميدانية المستجدّة دفعت باتجاه بروز تحليلات عن حيثيات التطبيع التركي مع نظام الأسد ودوافعه، خصوصا مع اقتراب موعد اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أواخر شهر سبتمبر/ أيلول الجاري في سوتشي الروسية، حيث استبق بوتين اللقاء بإرسال رسائل سياسية إلى تركيا والولايات المتحدة، في حديثه عن الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية في سورية، ويقصد بها القوات الأميركية والتركية، وذلك خلال لقائه مع بشار الأسد الذي شحنه سرّاً إلى موسكو وتحت جنح الظلام. إلى جانب رسائل التصعيد العسكري الميدانية، من خلال تكثيف المقاتلات الروسية غاراتها على مناطق إدلب. وبالتالي، يريد بوتين من ذلك كله دفع الساسة الأتراك إلى تغيير مواقفهم حيال نظام الأسد، وابتزازهم بغية تقديم تنازلات سياسية أيضاً. وهو أمر جعل وسائل إعلام تركية تسهب، في تقاريرها، عن رغبة نظام الأسد للتفاوض مع تركيا، والعروض المتكرّرة التي قدمها الرئيس بوتين للرئيس أردوغان من أجل التطبيع مع نظام الأسد والجلوس معه على طاولة التفاوض، وعقد تفاهماتٍ أمنية وعسكرية معه، خصوصا أن الساسة الروس بدأوا يعتقدون أن عملية إعادة إنتاج نظام الأسد وتسويقه بدأت تثمر بعد الحراك الذي قاده ملك الأردن عبد الله الثاني، وعقد صفقة الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، وأن انخراط تركيا سيعطي العملية دفعة قوية.

وترى أوساط سياسية وإعلامية تركية، مقرّبة من حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وأخرى معارضة، أن نهج التطبيع في السياسة الخارجية التركية مع دول فاعلة في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحات جديدة في العلاقات معها، مرتبطٌ بالتغيرات الجيوسياسية في العالم، في ظل الضرر الذي لحق بدولها نتيجة التكتلات والمحاور المتصارعة في المنطقة، وأنه بعد تخفيف التوترات والانفراج في العلاقات الإقليمية مع كل من مصر والسعودية والإمارات، على تركيا اتخاذ خطوة نحو نظام الأسد، بالنظر إلى امتلاكها قدرة أكبر على المناورة وتدوير الخلافات. وعليه تتوقع هذه الأوساط أن تبدأ عملية الاستكشاف معه من الباب الاستخباراتي، في ضوء أحاديث عن لقاء مرتقب بين رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، مع رئيس مكتب الأمن الوطني لنظام الأسد، علي مملوك، وصفه رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية السابق، إسماعيل حقي بكين، بأنه سيكون بمثابة “بداية لعملية جديدة”.

ولم ينف مسؤولون أتراك حصول لقاءات أمنية مع نظام الأسد، بل إن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أعلن انفتاح بلاده على مثل هذه اللقاءات التي حصر أهميتها في مجال التنسيق الأمني ومحاربة الإرهاب، وغيرها من الملفات. كما لم يصدر أي نفي تركي رسمي لتسريباتٍ إعلامية أفادت بحصول لقاء بين أجهزة الاستخبارات التركية وأجهزة نظام الأسد في بغداد لترتيب اللقاء بين بين فيدان ومملوك، بينما نفت وسائل إعلام نظام الأسد وجود أي ترتيباتٍ لعقد مثل هذا اللقاء، كما عبر بعض مسؤوليه عن اعتراض النظام ورفضه القاطع أي نوع من التواصل مع تركيا، بوصفها عدوه اللدود، لكن ذلك لا قيمة له ولا وزن، ولا يعكس حقيقة موقف النظام، إذ سبق أن أطلق مسؤولون في نظام الأسد تصريحاتٍ قاطعةً في هذا الخصوص، ثم تبيّن أن كلا من فيدان ومملوك التقيا في 13 يناير/ كانون الثاني 2020 في موسكو بحضور مسؤولين من أجهزة الاستخبارات الروسية.

وتدفع أوساط سياسية تركية باتجاه المصالحة مع نظام الأسد، من منطلق أنها ستُفضي إلى القضاء على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومليشياته وحدات حماية الشعب الكردية، وإدارته الذاتية، لكنها تربط ذلك بانسحاب القوات الأميركية من المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”. ولعل من اللافت أن يعتبر مدير مركز البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، برهان الدين دوران، أن “مستقبل تركيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكيفية حل القضية السورية، ومسألة التعامل مع اللاجئين، والفرع السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني”. وهو ما يشكل عنوان التحرّكات التركية في الملف السوري. لذلك من الطبيعي اعتبار أن نهج تركيا الحالي لا يهدف إلى إطاحة نظام الأسد، لأن لتركيا هدفين رئيسيين: “عودة آمنة للاجئين السوريين، ومنع تشكيل حزام إرهابي للفرع السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني”. أما شروط التطبيع مع نظام الأسد، فما تزال أوساط من الطبقة السياسية التركية تراها في انخراطه في عملية التسوية السياسية، واستعداده “لإعادة أبناء شعبه إلى بلادهم” و”التوقف عن دفع ملايين السوريين في إدلب باتجاه الحدود التركية جرّاء هجماته العسكرية المستمرة فيها”.

وصلت رياح التطبيع مع نظام الأسد إلى تركيا، لكنها لم تتجاوز بعد حدود الاختبار وجسّ النبض والسعي إلى التنسيق الأمني، والاستعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، إلى جانب الدفع الروسي، وبروز مؤشّراتٍ متسارعةٍ لتعويم نظام الأسد دولياً وإقليمياً، وذلك من خلال الميل الواضح لدى بعض الدول الغربية والعربية نحو الدخول في مرحلة جديدة تفتح الأبواب على نظام الأسد، وإدارة الظهر نهائياً للكارثة التي ألمّت بسورية والسوريين، وذلك في إطار لعبة المصالح الدولية.

عمر كوش – العربي الجديد

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. سبق وقلت من سنين طويلة هنا في صفحة عكس السير .. لقد قلت آنذاك ( كأنني أرى أردوغان في الجامع الأموي على يمينه بشار وعلى يساره احمد حسون) .. سخر الكثيرون من كلامي لكنني أكررها والأيام قادمة.
    لعن الله المنافقين وأعد لهم عذاب أليما.