تناقضات حزب الشعوب الديمقراطي

تركيا مقبلة على انتخابات مبكرة مهمة، بعد أقل من خمسة أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية التي دخلت البلاد بعد إعلان نتائجها مرحلة من الغموض وعدم الاستقرار السياسي. وتستعد الأحزاب السياسية لخوض هذا السباق الديمقراطي، ويأمل كلٌّ منها في الحصول على نسبة من أصوات الناخبين أعلى مما حصل عليه في الانتخابات الأخيرة.

استطلاعات الرأي وتوقعات المراقبين تشير إلى تجاوز أربعة أحزاب حاجز 10 بالمائة في الأول من نوفمبر المقبل، وهي الأحزاب الممثلة حاليا في البرلمان التركي: العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، والحركة القومية، والشعوب الديمقراطي.

حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة حصل على 13.1 بالمائة من أصوات الناخبين، وكانت هذه النتيجة فوزا كبيرا للحزب، وخطوة نحو التحول من حزب ينشط فقط في المناطق ذات الأغلبية الكردية إلى حزب له حضور في جميع أنحاء البلاد، وفرصة لتسريع عملية السلام الداخلي، إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي من خلال المواقف السلبية التي تبناها سواء قبيل الانتخابات أو بعدها ضيَّع هذه الفرصة.

وسائل الإعلام العربية والأجنبية تقدِّم حزب الشعوب الديمقراطي للرأي العام كـ «ممثل وحيد» للشعب الكردي في تركيا، ولكنه في الحقيقة لا يمثل جميع أكراد تركيا، بل هناك نسبة كبيرة من الأكراد يصوِّتون لأحزاب أخرى، ولا يؤيدون الخط السياسي الذي يتبناه حزب الشعوب الديمقراطي. كما أن وصف حزب الشعوب الديمقراطي بــ «الكردي» غير دقيق، لأنه يجمع تحت سقفه مجموعات يسارية تركية، وممثلين للأقليات الأخرى مثل الأرمن، وتدعمه قوى تركية مناوئة لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان نكاية به وبحزب العدالة والتنمية، وبالتالي يعيش في داخله تناقضات.

عندما وجَّه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو دعوة إلى ثلاثة من نواب حزب الشعوب الديمقراطي للمشاركة في الحكومة المؤقتة التي تشكلت كضرورة دستورية لتعمل حتى إجراء الانتخابات المبكرة، كانت قيادة الحزب قد اتخذت قرارا بقبول هذه الدعوة والمشاركة في الحكومة، إلا أن النائب ليفينت توزيل رفض الدعوة. وكان توزيل -رئيس حزب يساري متطرف يتبنى الماركسية اللنينية- انتخب نائبا ضمن قائمة حزب الشعوب الديمقراطي في إطار تحالف هذا الأخير مع الأحزاب اليسارية الصغيرة، ولكنه عوقب بسبب موقفه هذا، وشطب حزب الشعوب الديمقراطي اسمه من قائمة المرشحين التي سيخوض بها الانتخابات المبكرة.

ومن تناقضات حزب الشعوب الديمقراطي، أنه حين يخاطب الأتراك في المحافظات الغربية يظهر وجها غير الذي يظهره في المحافظات الشرقية ذات الأغلبية الكردية، ويستخدم في الشرق الخطاب القومي ولغة التحدي للدولة التركية، في الوقت الذي يزين خطابه في الغرب بكثير من شعارات السلام. ورغم كثرة مطالبته بالسلام ورفض العنف، فإنه لا يستنكر جرائم حزب العمال الكردستاني وهجماته الإرهابية ولو بكلمة.

وبالإضافة إلى هذه التناقضات، هناك أزمة هوية يعاني منها حزب الشعوب الديمقراطي. وهو يرفع شعار الدفاع عن الشعب الكردي وحقوقه، إلا أن سياساته تخدم بالدرجة الأولى قوى محلية وإقليمية لا تريد الخير على الإطلاق للشعب الكردي. كما أنه من غير الواضح هل هو حزب يميني أو يساري أو ليبرالي؟ لأنه يوجد بين أعضائه وداعميه عدد كبير من القوميين الأكراد، بالإضافة إلى إسلاميين وليبراليين ويساريين متطرفين. وكانت قائمته في الانتخابات الأخيرة في إحدى الدوائر بالمحافظات الغربية تتضمن مرشحا يعلن شذوذه الجنسي، ودعا في برنامجه الانتخابية إلى السماح بزواج المثليين، وهو أمر يرفضه الناخبون الأكراد المتدينون في المحافظات الشرقية جملة وتفصيلا.

إن كان حزب الشعوب الديمقراطي يريد بالفعل أن يلعب دورا إيجابيا في الساحة السياسية التركية فلا بد أن يجد حلا لتناقضاته وأزمة الهوية التي يعاني منها، لأن جمع المتناقضين وكل من هب ودب تحت مشروع «منع أردوغان من تغيير النظام» لا يمكن أن يستمر ولو بدا ناجحا لفترة مؤقتة. وأما اللغة المزدوجة التي يستخدمها حزب الشعوب الديمقراطي فلن تنطلي على الناخبين لمدة طويلة.

اسماعيل ياشا – العرب القطرية