مبادرة محمد حبش ” للسلام ” .. غسل ثوب الجاني من الدماء

بعد يومين فقط من تقرير «منظمة العفو الدولية» الذي حمل عنوان «مجزرة بشرية»، عن إعدام نظام بشار الأسد 13 ألف سوري شنقاً في سجن صيدنايا، يظهر في الإعلام عنوان عريض يحمل عنوان «مبادرة للسلام.. وطن موحد لكل السوريين»، بطله النائب السوري السابق محمد حبش، وملخص المبادرة هو «اجتماع لمعارضين سوريين وموالين في بيروت لبحث مبادرة للسلام هدفها إعادة 1000 عائلة لاجئة في لبنان بضمانة روسية».

مبادرة للسلام برعاية روسيا وحزب الله، الطرفين الأكثر تورطاً بالدم السوري بعد الأسد ونظامه، ويبدو واضحاً أن روسيا تريد إثبات وزنها سياسياً على الساحة السورية، ودائماً هناك أشخاص مستعدون ليلعبوا هذا الدور مع أي طرف سواء أكان قاتلاً أم مشاركاً بالقتل أو حتى محتلاً كحزب الله. يهدي حبش «المحسوب على المعارضة في المبادرة» ومن معه روسيا أو «الأصدقاء الروس والشركاء لنا» وفق تعبيره، صك براءة من دماء السوريين، والهدية ليست مجانية فقط.

لا يمكن أن يتم تبرير اجتماع بيروت بالسذاجة أو السطحية التي حاول حبش أن يتكلم فيها، إذ إن السوريين جميعهم يريدون العودة إلى منازلهم، ويكاد يكون حلمهم الأقصى هو التخلص من ذل اللجوء والعودة إلى كرامة سقف، ولا مكان للعب على الكلمات والتي يبرع فيها، فاستخدامه لتعبير «المبادرة تصب في مصلحة الفقراء» لا يغير في واقع أن هؤلاء الفقراء أصبحوا في هذا الوضع بسبب أصدقائه الروس وحزب الله، وتبقى تنحية أي ملف آخر مثل فك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين بحجة أن أصحاب المبادرة «لا يملكون أوراق ضغط على النظام» أمراً منطقياً ومتماشياً مع المبادرة ككل.

مبادرة السلام المطروحة ووفق كلام حبش بدأت من التواصل مع النظام، ووفق تصريحاته، فإن حبش «بحث مع مسؤولين من نظام الأسد الضمانات، مبيناً أن الأخير طلب تقديم قوائم بأسماء من يرغب بالعودة، قبل دخول اللاجئين إلى الأراضي السورية»، وينتظر المجتمعون في بيروت موافقة النظام السوري على قوائم الأسماء المرسلة إليه، وسيتم الحصول على ضمانات روسية بعدم تعرض اللاجئين للأذى، وسوف تتم مشاركة الأمم المتحدة كطرف ضامن أيضاً، وأخيراً يعتمد المجتمعون على النيات الطيبة لبعض المسؤولين في النظام السوري.

نيات طيبة، وحزب الله لاعب مشارك، وروسيا تضمن الاتفاق، وبين كل ذلك خيبة أمل كبيرة من الحالة التي وصلت إليها سورية، وخيبة أمل أكبر من الفصائل العسكرية المحسوبة على الثورة السورية أو على المعارضة السورية، ما جعل المصالحات والهدن تنتشر في كل سورية، وتتقلص المساحات التي تقع تحت سيطرة المعارضة في مقابل توسع مساحات النظام، ولعل التوقيت الذي أتت فيه ما تسمى «مبادرة السلام» هي اللحظة المناسبة التي عرفت روسيا وحزب الله وبمشاركة النظام السوري اقتناصها، ومَن أفضل من شخصيات كحبش وآخرين لا يعرفهم أحد، لاستغلال معاناة سوريي لبنان وإغرائهم بالعودة إلى حضن الوطن مع ضمانات بعدم اعتقالهم، ليظهر الأسد ومن معه على أنهم دعاة سلام، وليبقى من عارض المبادرة كارهاً للسلام، وهو السلام نفسه الذي يقوم على أنقاض المدن والجثث السورية.

قال بشار الأسد في آخر مقابلة له مع ياهونيوز (بالمصادفة في يوم إعلان المبادرة)، رداً على سؤال الصحافي عن ملايين اللاجئين والنازحين في طول الأرض وعرضها وداخل سورية نفسها «هؤلاء ضحية الإرهاب الذي دعمه العالم»، وأوضح وبكل وضوح أن عليهم أن يدفعوا ثمن معارضتهم له، واليوم، هم فعلاً دفعوا ولا يزالون يدفعون هذا الثمن.

هنادي الخطيب – الحياة